الفن المغولي في المجموعات البريطانية المحفوظة
عرض للفن الذي تطور في الهند في الحقبة الزمنية الممتدة من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر (XIX-XVI) في عهد الامبراطورية المغولية بالهند.
22 سبتمبر 2014
LONDRES, REINO UNIDO
البيت العربي، و في إطار سعيه الدائم للتعريف بمناطق أخرى وصل إليها الاسلام، خارج الوطن العربي، يحاول أن يسلط الضوء من خلال هذا المعرض على مرحلة فنّية ظهرت وتطورت في الهند خلال الفترة الممتدة من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر في عهد الامبراطورية المغولية بالهند. فالمغول هم سلالة مسلمة سنية، تنحدر مباشرة من القائدين المغوليين جنكيز خان وتيمورلنك (تيمور) اللذين وصلا إلى آسيا الوسطى وأحكما السيطرة عليها.
سيطر المغول على جزيرة هندوستان (باكستان وشمال الهند) في الفترة الممتدة من 1526 إلى 1857 و دخلوا بعدها في صراعات مع إمبراطوريات اسلامية كبرى كالامبراطورية الصافائية بفارس (إيران) من ( 1501 ـ 1736) والامبراطورية العثمانية بتركيا في الفترة الممتدة من (1299 ـ 1922).
وعلى الرغم من أن المغول كانوا يمثلون أقلية دينية، مقتصرة على الدوائر الامبراطورية، حكمت سلالة المغول لمدّة تتجاوز 300 سنة تقريبا، شعوبا، معظمهم من الهندوس بالإضافة إلى بعض الأقليات الأخرى مثل الاقليات المسيحية، الجانستية والسيخية والبارسية.
غير أن المغول لم يكونوا أول من وصل من المسلمين الى الهند ، بل إن التواجد الاسلامي بهذه المنطقة يرجع إلى العام 711، عندما قامت الخلافة الاموية بضم مناطق من السند والبنجاب ( شمال شرق الهند) إلى أراضيها.
وقد خلّف المغول رسومات وصور الامبراطورية أو ما يعرف بالايقونوغرافيا للتعبير عن عظمة حكمهم ولاعطاء شرعية لسلالتهم أمام شعوب ظلت تعتبرهم لقرون كأجانب، يمارسون طقوسا دينية تختلف عن تلك التي كان يمارسها السكان الاصليين والذين كانوا يمثلون الاغلبية. فالكثير من هذه الصور الاشهارية التي كانت ترسم بطلب من الحكام المغول كانت تهدف إلى إبراز عظمة هؤلاء الأباطرة، ويبدو ذلك واضحا من خلال الصور التي تجسد الحاكم تمرلان وهو يسلّم تاجا لأحد الاعضاء الذي ينحدر من سلالة مغولية. كما تعتبر هذه الصور أيضا مرآة للثراء والبزخ والقوة في امبراطوريتهم، ويمكن ملاحظة ذلك في الرسومات التي تمثل احتفالات الدارشان التي كانت تقدّم من خلالها طقوس الطاعة والولاء للأباطرة.
على الرغم من أن المغول حكموا الهند قرابة ثلاثة قرون، إلا أنّ امبراطوريتهم لم تعرف أوج إزدهارها إلا في عصر الأباطرة المغول الستة الأوائل (1526ـ1707) المعروفين تاريخيا باسم " الاباطرة العظام" وهم: بابر وهومايون وأكبر وجهانكير وشاه جاهان وأورانغ زيب .
وعلى مدار 181 سنة، حاول المغول الابقاء على وحدة أراضيهم والتوسّع المتواصل، وفي نفس الفترة عرف الفن المغولي ازدهارا لا مثيل له. قام الاباطرة العظام بتطوير حسّ فني متوارث من جيل إلى جيل، كما احسنوا استغلال الامكانيات التي كان يوفرها لهم الفن التصويري والرسم ، كوسيلة ترويجية وإشهارية لحكمهم وقوّتهم مع شعبهم ومع الامبراطوريات الاخرى المجاورة والقوى الغربية.
وقد كان الفن التصويري على المخطوطات والمرقعات الاكثر تطورا خلال مراحل الحكم المختلفة بالإضافة إلى التحف المعمارية العظيمة البارزة. فقد قام الاباطرة المغول ببناء القصور والأضرحة والمساجد وتركوا لنا مبان فريدة من نوعها، كضريح تاج محل الذي أمر ببنائه الامبراطور شاه جاهان لزوجته ممتاز محل.
أبدع الاباطرة المغول في إنشاء الفن ورعايته، واستضافوا في قصورهم أهم الفنانين الذين عملوا في القصور الملكية. بعض هؤلاء الفنانين المشاهير كانوا من أصل فارسي قادمين من قصور صافائية بإيران، وصلوا إلى الهند في سنة 1549 برفقة الامبراطور هوميون، الذي قضى عشر سنوات كلاجئ في قصر الشاه الفارسي تاهمابس، بعد ان خسر الاراضي التي نجح والده الامبراطور بابر في توحيدها.
ونتج عن هذه الرعاية المستمرة للفن الكثير من المخطوطات المزخرفة، ولا شك في أن عدد هذه المخطوطات كبير جدا لأن عدد الرسامين المشاركين كان كثيرا جدا ولان أحدى هذه الورشات أحصت مشاركة أكثر من 300 فنّان. كما هو الحال في الورشة التي أسسها الامبراطور أكبر، نجل هوميون، الذي حكم من سنة 1556 إلى 1605 والذي يعتبر أول وأكبر راع للفن الامبراطوري المغولي.
بالتحديد، خلال حكم أكبر، ثالث الاباطر المغول، بدأ الاسلوب التصويري الخاص بالمغول بالتفرّد والتميّز حيث جمع بين خصائص المنمنمات الفارسية الصافائية والرسم المحلي الهندي والبوذي. وبعد ذلك التحمت هذه العناصر مع بعضها لينتج عن ذلك نوع آخر مختلف ومميّز عن سابقيه. وابتداء من القرن السابع عشر XVII ، خاصة في عهد جاهنجير ( 1627ـ 1605) نلاحظ تأثر الفن النصويري المغولي بالرسومات الأوروبية. حيث بدأت تظهر على المنمنمات المغولية رموز وصور مسيحية ،ة تعكس تأثير نقوشات الفلامنكو التي تم نقلها من طرف يسوعيي البرتغال حينما استقرّوا بالساحل الغربي، خاصّة في مدينة جاوة.
وقد كانت هذه المرحلة مرحلة هامة ومميّزة تركت لنا منمنمات في غاية الجمال والدّقة الفنية، يمكن للمرء من خلالها أن يلاحظ فترات متواصلة من التبادل الثقافي الذي أدّى إلى خلق تراث فني غني وهائل.
في لندن تتواجد مجموعة من أحسن المنمنمات المغولية العالمية. ويمكننا إيجاد هذه المجموعات في ثلاث مؤسسات كبرى بلندن تتمثل في: المكتبة البريطانية، متحف فيكتوريا إي ألبارت والمتحف البريطاني.
فـالمكتبة البريطانية التي تعتبر واحدة من أكبر المؤسسات العالمية ، والتي تمّ إنشاؤها سنة 1973، تمتلك مجموعات هامة من المنمنمات المغولية. هذه المجموعات ليست للعرض، يمكن الاطلاع عليها بطلب موعد مسبق.
في الوقت الحالي يوجد على الموقع الالكتروني الخاص بالمكتبة أحد أهم هذه المجموعات وهو مجموعة بابارناما. وهي كلمة من أصل فارسي تعني " كتاب بابر" وهو عبارة عن مخطوط مزخرف يجمع تاريخ الامبراطور بابر، مؤسس السلالة المغولية والذي حكم الهند من سنة 1526 إلى سنة 1530. استقر بالهند بعد انتصاره على مملكة دلهي التي كانت تحت حكم سلالة لودي، التي تنحدر من أصل مسلم سنّي.
البابارناما تجمع مذكرات كتبها بابر بنفسه باللغة التركية قبل مماته. فيما قام حفيده أكبر بعد ذلك بترجمتها إلى الفارسية وكلف فنانين من بلاطه برسم الصور والزخرفات.
يمكنك الاطلاع من خلال هذا الرابط على المخطوط كاملا ورؤية المنمنمات بالتفصيل، يعود الفضل في ذلك إلى نوعية المسح الراقية المستعملة لهذا الغرض. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي المكتبة على قاعة للعروض بمعرض سار جون ريبلات، حيث تعرض للجمهور ما يزيد عن 200 كتاب ومخطوط وصفائح تعود إلى حقبات زمنية مختلفة وحيث يمكن مشاهدة الكثير من المنمنات المغولية والفارسية
متحف فيكتوريا وألبرت، تتواجد به أحدى مجموعات الفن المغولي الهامة، كما يحتوي أيضا على منمنمات ومنسوجات وقطع من المجوهرات. أما بالنسبة للمنمنمات الهندية المحفوظة بالمتحف فهي تتجاوز 5000 نسخة، وما يعرض للجمهور ما هو إلا عينة قليلة جدا من المجموعة، يجري عرضها بالتناوب نظرا لأسباب تتعلق بالحفظ، حيث تعرض بعض القطع من حين لأخر ويحتفظ بها بعد ذلك. مما يسمح للجمهور المهتم بالعروض بمشاهدة أعمال جديدة كل مرّة.
كما يخصص المعرض مساحة للفن الخاص بجنوب شرق آسيا يعرف بمعرض نهرو، يسمح بزيارته كبقية المجموعات المعروضة بشكل دائم بالمتحف مجانا. كما يمكن الاطلاع على بعض هذه المنمنمات بزيارة الموقع الالكتروني لمتحف فيكتوريا وألبارت بلندن بالاضافة إلى قراءة مقالات مهمة ومثيرة متعلقة بالفن الذي تطوّر تحت إشراف القصر المغولي.
كما يحتوي المتحف البريطاني بلندن على مجموعة فريدة من المنمنمات المغولية، معظمها يعود إلى القرن السابع عشر الذي واكب عهد آخر ثلاثة من الأباطرة العظام وهم " جهنكيز" و" شاجاهان" و " أورانغزيب " . ومن بين المجموعات الإلكترونية التي وضعها المتحف البريطاني في متناول الجمهور والتي يمكن زيارتها على الانترنت نجد جزء كبيرا من هذه المجموعات يتعلق بالفن المغولي. ويمكن الاطلاع عليها عبر الانترنت من خلال كتابة كلمة " موغال ستايل " بالإنجليزية في محرك البحث.
وما يميز هذه المجموعة الالكترونية عن غيرها مما يتواجد بالمتاحف والمؤسسات هو أنّها قد خضعت لتقنيات مسح عالية على النسخة الاصلية كاملة بما فيها الورق الذي وضعت عليه المنمنمات الذي يحتوي على قيمة فنية وجمال لا مثيل له. هذا النوع من ورق الكرتون كان يستخدم عادة في رسم حيوانات ونباتات المنطقة، باستخدام ألوان وطلاءات ذهبية ولهذا السبب ارتأى المتحف وضعه على الموقع الالكتروني لأن ذلك يساهم في فهم النسخة الأصلية لهذه المنمنمات المعروضة.
يمكنك الإطلاع على المجموعات المختلفة من المنمنمات المغولية في المتحف البريطاني بلندن بالضغط على هذا الرابط.